الرئيسية » » رائحة الحياة | فردوس عبد الرحمن

رائحة الحياة | فردوس عبد الرحمن

Written By Unknown on الثلاثاء، 9 يونيو 2015 | 7:24 م

رائحة الحياة
جسدي منمّل تمامًا، والأرض رخوة تحتي، ويد العسكري التي تمسك
بمعصمي قطعة من القطن.
هكذا كان شعوري الحسي دون أدنى مبالغة حين كنت في المحكمة وأنا مقبوض عليّ في قضية شيك بدون رصيد أوقعني فيها زوجي الأول. والذي ضمنته في قرض من البنك بمئة ألف جنيه ووقَعت على شيكات بربع مليون جنيه.
لم أشعر أبدًا بهول الموقف الذي كنت فيه، ولم أفكر في ضياع مستقبلي، أو حتى في السجن الذي ينتظرني. كل ما كنت أفكر فيه ـ لحظتها ـ هي قصة الحب التي بدأت منذ أسبوع، والتي تركتني هكذا معلقة في الفضاء. أنا لا أتكلم بالمجاز، إنني أحكي عن شعور حسي حقيقي لف جسدي كله حتى حينما رأيت قفص الاتهام الذي كان من المفروض أن أقف بداخله، بدت لي أعمدته كظلال على الحائط ولم أفق إلاَّ على صوت المحامي وهو يجري وراءنا ويصرخ في العسكري:
ـ خلاص ياحضرة الصول، القاضي أعفاها من دخول القفص، ووافق على التصالح مع البنك.. الست دي بنت حلال والله.
كل هذا يحدث من حولى، وأنا ساهمة، عالقة في قصة الحب الجديد. إنها القصة ـ ذاتها ـ التي أخشى أن أمل حكايتها قبل أن أنجز هذا الكتاب فلطالما كنت نفس هذا الوجود الطائر كلما وقعت في قصة حب.
في كتاب " شذرات من خطاب العشق ـ رولان بارت" يقول روسبروك: " إنني معلق فقط، بعيدًا عن الأشياء الإنسانية بقرار تفاهة ضمني، لا أنتمي لأي قائمة ولا لأي مأوى".
وهكذا كنت لا أشعر بوجود ابنتي ولا أقوى على الاستيقاظ مبكرًا لعمل الساندوتشات لها وهي ذاهبة إلى المدرسة، ومع ذلك كنت على استعداد للذهاب إلى آخر الدنيا، وعدم النوم مطلقًا إذا صادفت ما تصورته حبًا وقتها.
في ورشة (السايكو دراما) سألنا الطبيب وكان الدكتور خليل فاضل أستاذ الطب النفسي: من قعد على السحاب وأمسك النجوم بيديه؟..رفعنا كلنا أيدينا فضحك وقال: جميعكم وقعتم في الغرام ولكن.. لم تعرفوا الحب.
بالطبع.. إنها حالة الوقوع في الذات، إنها الثرثرة الذهنية، هي التصورات الافتراضية، عزلة الذات العاشقة، خواؤها من أي شيء سوى تلك الصورة الذهنية التي كونتها عن الحب، أفقد اهتمامي بابنتي، بعملي بأقاربي وأظل أدور مع فكرة العشق، والتي يرى الطب النفسي أنها نوع من الوسواس القهري، أنحبس بداخله، ويمنعني من أي تواصل مع العالم الحقيقي، فأتحول إلى هذا الوجود الخفيف المهووس، يصبح العيش داخل المخيلة بينما الواقع يزداد تفككًا وانهيارًا تحت قدميّ.
الغرام في اللغة يأتي من غَرِمَ ـ غُرْماً وغرامة، ويُقال غَرِمَ الدِّيَّة والدين أي أداهما عن غيره، وفي التجارة خَسِر.َ والغرام يعني ـ أيضاًـ التعلق بالشيء تعلقاً لا يُستطاع التخلص منه، كما يعني العذاب المقيم وفي القرآن:"إن عذابها كان غرامًا"
إذن فالغرام هو حالة من القهر والخسران، يقول راسين:" ثمة خدعة في زمن العشق، هذه الخدعة تُدْعى قصة عشق لها بداية الحب الصاعق ونهاية انتحار، هجران، فقدان العاطفة، وانعزال ودير وسفر"
هذا النوع من الشعور فخ لغوي، استعارة دائمة .. إنني أحيا دائماً داخل تلك الاستعارات: بموت فيه.. أشعر بفقد دائم ويخمد صوت الحياة بداخلي إذا ابتعد عني.
، روح قلبي.. يكاد القلب يفقد نبضاته في حالة غيابه، بعده، هجرانه
، إنه عقلي..لا أفكر في أحد سواه.
لذلك أنسحق، أتلاشى ولا يحق لي الوجود بدونه، تتجمد مشاعري بمن حولي وتنقطع الروابط بيني وبينهم، أي أنني أُسْرَق تمامًا فيخف وجودي وبالتدريج، أتحول إلى حلم يحلمه الآخرون، بل أحلمه أنا بنفسي.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.