الرئيسية » » حَجَرٌ في السرير | فتحي عبد السميع

حَجَرٌ في السرير | فتحي عبد السميع

Written By Unknown on الخميس، 9 يوليو 2015 | 6:49 م

حَجَرٌ في السرير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى عمودِ إنارةٍ صدئٍ يَقِفُ كثيرا أمامَ بيتِنَا
وَضَعَ الأولادُ بودرةَ عِفريتٍ في قَفَاه 
فَرَاحَ يَتَلوَّى
أَعْجَبَتْنِي رقْصَتُه
فَتَركَ الأولادَ وقَذَفَني بِحَجَر.
يَحكونَ عن سائقٍ طيِّبٍ
صَدمَ عمودَ إنارةٍ
فَتَقَطَّعتْ أسلاكٌ
وتَلامَسَ الجيرانُ للمَرَّةِ الأولَى
يَحكونَ عن بَرْقٍ بلا مَطرٍ
وسائقٍ تَطَبَّقتْ أضلاعُه
فأقولُ: بشارة
وأبتَسِم .
لَحْمِي حديدٌ وعَظْمِي فارغ
رشيقُ القوامِ ورُوحي بدينةٌ
طويلٌ ومسدود
مِنَ الرأسِ إلى القَدَمَيْن
عمودُ إنارةٍ أَنَا أَمْ تابوت ؟
هل يَكْفِي الوقوفُ
كي لا يَشُكَّ المَرءُ في كونِهِ راقِدا ؟
هل يَكْفِي العَيْشُ في الشوارعِ والميادين
كي لا يرتابَ العالَمُ في كوْنِي تابوتا ؟
التوابيتُ لا تَعرِفُ الكذِبَ مِثلِي
كُلَّمَا وَقَفَ تابوتٌ
سَألَ طِفلٌ عن العَرَبةِ التي تَنقُلُ المَوْتَى.
تُضْحِكُنَا التوابيتُ حِينَ تَمْكُرُ
فَتُفَضِّلُ الرُّقَادَ طولَ الوقت.
تابوتٌ وأَخْدَعُ الأذكياءَ
مُشِعٌ وجوْفِي مُظلِم .
أَسمَعُ دَبَّةَ الفَجْرِ وأَنقَبِضُ .
قَميصِي الزَّاهِي
يَعْبُرُ في دَبَّة الفَجرِ
أَلْفَ غَسَّالةٍ لِيَتَّسِخ
خيوطي تتيبَّسُ
وتَمتلِئُ بالعُقَدِ والأشواكِ الباهتةِ.
يَدْلُقُ الفَجرُ بودرةَ العِفريتِ في قَفَاي
ويَترُكَني أتلوَّى .
لو صِرْتُ بَلْطَةً في يوْمٍ مِن الأيام
سوْفَ أَجري إلى مَجلسِ المدينةِ
أَعرِفُ رَجُلا يَقبِضُ راتِبَهُ بانتظامٍ
لِيَصْحوَ مُبَكِّرا ويَفْصِل التَّيَّار
كثيرا ما تَشقُّ عليه ضغطةٌ خفيفة
فيتركني مُضيئا طولَ النهار
أَرتدِي تاجًا مِن الشَّوْكِ
وقُبْحِي مَكشوفٌ للعالَم.
أَهذِي كأيِّ حَدَقةٍ
خَرَجتْ لِلتَّوِّ مِن قبْر
كُلَّمَا نَظرَ النَّاسُ إليها
قَفزَ مِنْهَا الدّود.
لِي صديقٌ يَسكُنُ قُدَّامِي.
كُلَّمَا غابَ الأولادُ
وصارَ بِطُوُلِهِ في الشارع
قَذَفَني بِحَجَرٍ
أَرِنُّ عاليا وأَرُدُّ بحِقدٍ
لكِنَّ حَجَري
لا يُكمِلُ الطَّريقَ إلى صدغِه.
يَصدمُنِي حَجَر
فَأُضِيء كَمَا تُضِيءُ الأشياءُ
حِينَ تُصافِحُهَا الصَّدَمات
يَصدُمُني حَجَرٌ
ولا يَرتَعِشُ ترابٌ في جوْفي المُظلِم
ترابٌ نَسِيَ الشَّمْسَ والهواء
فباتَ دُهْنيّا نفَّاذَ الرَّائحة.
كانَ يَنبغِي أنْ يُصبِحَ قلْبا ويَنبضُ
لكنَّهُ صارَ إِلْيَةً
لا تَعرفُ السماءَ ولا السقوط.
أَنَا سَيءُ الظَّنِّ تجاهَ الأطفال
أَشعرُ بهواجسَ دائمةٍ
منذُ نزعتُ القمرَ
مِن أحداقِ النَّاس
صارَ حَجَرا
واعتَزَلَ في الصَّحراءِ
أَخافُ مِن تنظيمٍ سِرِّي
يُجنِّدُ الأطفالَ
كي يَرْجِعَ القمرُ إلى عَرْشِه القديم .
شُكْرًا للحُمَّى
صارت حَبْلا
وربطتْ طفلا في سريرِه
مكثتُ أيامًا بلا صدمةٍ
الحَجَرُ النَّائِمُ في السريرِ
كانَ يَمنَحُنِي فُرصَةً ذهبيةً
لأزْهوَ بقوامي الصلبِ
ويَسمع النَّهارُ صرختي.
صديقي الطِّفلُ صارَ شَيْخا
تَرتَعِشُ أصابِعُهُ
وهو يُمسِكُ كوبَ الماءِ
يُحاوِلُ غَرْسَ الملعقةِ في الطبق
فتغوص في الهواء.
لم أَفقِدِ الأمَلَ
في قيامِهِ فجأةً
لِيَقِفَ بِطُوُلِهِ في الشارع
يَشتمُ أولادَه الجاحدينَ
ويَقذفُني بحَجَر.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.